ومحال أن ينتهي الليمون

رغم أن الأشجار لا تعي المفاهيم المجردة بما فيها الكراهية والأنانية التي نقتل نحن بني البشر بعضنا بسببها، إلا أنها تنال نصيب لابأس به من السوء من تبعات هذه المفاهيم. كثيراً ما دفعت الغابات أثمان باهظة خلال حروب البشر، وغالباً ليس هنالك من يهتم لهذه الخسائر وكم شجرة أزهقت خلال هذه الحملة أو تلك. كما أن الأشجار لا تهتم لما نلبس عليها من رمزيات مفاهيمنا المجردة، كالثبات والاستمرارية والعطاء.

فهي ثابتة بلا خيار، وإلا اختارت الرحيل على أن تحترق واقفة من لهيب حروبنا أو تتيبس عطشاً إن هُجرنا عنها. وهي مستمرة بطبعها لا يعنيها من يعيش بقربها، ولا تكترث لما نتغى به عن رمزية وجودها للعودة إلى الدار المسلوبة والوطن المغتصب، ستاتي اكلها كل عام كجميع بيارات الليمون في فلسطين وكروم الزيتون. لم يتوقف أي منها عن العطاء عند تغير السكان واختلاف اللغات. للأشجار لغتها ومنطقها الخاص الذي لا صلة له بمنطقنا سوا منطق التجاور لا أكثر. هل حزنت شجرة الياسمين على غيابي إذ هجرتها بعد أن نال الحي نصيبه من القصف؟ لا، بل أزهرت لمن أتى بعدي. لا أتهمها بالخيانة ولا يمكن أن نسم الأشجار بالمنفعة أو أنها العاهرة التي تبتسم لكل زبون جديد. هي لا تملك ضميراً، أو لا تملك ضميرنا. نحن نغادر، نترك أشجارنا تواجه جفاف الصيف وحدها بعيدة عن أي مصدر يمدها بالحياة، أو تتيبس في صقيع الشتاء، ثم نطالبها بالوفاء أو نلبسها عن بعد حنيننا ونحولها لرمز رغم عنها لبقائنا ورغبتنا الضالة في العودة إلى ظلالها والتمتع بثمارها. ليس على الأشجار إثم أن مدت يد المغتصب وجنت ثمارها، هي تعطي بدون تمييز. منطق الحياد هو أسلوبها في التعامل مع كل ماهو آخر، لا تملك أن تمنع نفسها عن العطاء والأستمرار. إن المشكلة تكمن فينا نحن بما نمنح الأشجار والأشياء والأشخاص من مفاهيمنا المجردة لنحولها من أخشاب وأوراق وثمار إلى رمز الصمود أو أي رمز يفي بمتطلباتنا الذاتية التي هي من تطوق للرمز و المجاز. إننا متسلطون وأنانيون إلى الحد الذي يجعلنا نطالب شجرة ما أن تمتنع أن الإزهار إذا ما غادرناها، بل ورغم أن الأشجار والأشياء لم يسألونا أن نحولهم لرمز ما، نطالبهم نحن بأن يبقوا وفيين لما لم يختاروه، أي أننا نلزمهم الوفاء لما لا يدركون أصلاً. ستبقى شجرة اللوز في دار درويش تثمر للأشكنازي الذي جاء من بولندا ولن تصغي لبكاءه عليها، والليمون في البيارات آته أكله للمغتصب الجديد، لا كما أراد نزار أن يجعل منه رمزاً للثورة بل بقي شجرة تزهر وتثمر لتزين أطباق السلَطة لمن جناها. وكذلك الزيتون والتين وأي ما شئت من شجرة على امتداد سوريا لن تغير طريقة عيشها إذا ما جناه الغزاة الجدد. نحن فقط من دفع الثمن.

Tagged: , , , ,

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.